Saturday, March 31, 2007

الطفيليون الجدد

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

ربما قرأ أغلبنا أو سمع عن أشعب الطفيلي و نوادره , و أشعب الطفيلي ما سمى بذلك إلا لتطفله على موائد الملوك و الأمراء بل و الفقراء , و من طرف نوادره أنه يروى عنه أنه اجتمع حشد من الناس عند رجل من المدينةعلى مادبة غداء, فظهر لهم اشعب من بعيد.
وكان على المائدة عدد من الحيتان (نوع من انواع السمك), فما كان منهم الا اخذوا الحيتان الكبيرة في قصعة (حله) ووضعوها في ركن البيت, خوفا من هجوم اشعب. وعندما جلس اشعب على المائدة سالوه عن رايه في الحيتان!
فاجاب بانه غاضب منها وحانق عليها, حيث ان اباه كان في البحر ذات يوم فمات واكلته الحيتان!
فطلبوا منه ان ياخذ بثار ابيه من الحيتان الموجودة على المائدة... فاخذ اشعب احد الحيتان الصغيرة ووضعه عند اذنه ثم نظر الى القصعة البعيدة, قائلا: هل تعلمون ما يقوله الحوت الصغير؟ فقالوا:لا , قال: انه يخبرني بعدم رؤيته لأبي حيث لم يكن قد ولد بعد وان زملائة الكبار الموجودين في ركن البيت هم المسئولون عما حدث لأبي!!
و قد كان هذا الخلق مذموما من قبل العرب المعروفين بالكرامة و الكرم و العلو عن الأدناس و دنئ الأخلاق , و هذا ليس موضوعنا , فإن ما أحدثكم عنه هم الطفيليون الجدد الذين شابهوا أشعب و لكن فى تطفلهم على موائد أهل العلم و الفتيا .
و كما ذكرنا أن التطفل كان من الأخلاق المذمومة عند العرب المشهورين بحسن الخلق و الكرامة , و لكن لما دار الزمان و تغيرت طباع الناس للسئ و تناسوا أخلاقهم الإسلامية: صار عندهم حسنا ما ليس بالحسن .
و فى يوم من الأيام نمت و أنا مهموم مشغول البال على الناس الذين لا يرون الصحيح من السقيم و يبعون أقوال كل ناعق فبدا لى و أنا ين اليوم و اليقظة أننى أكتب مقالا بهذا العنوان , فما كان منى إلا أن انتفضت من سباتى و فزعت إلى مكتبى مهرولا لألتقط قلمى و أسطر به تلك السطور المتواضعة لعل الله يوقظ بها قلبا غافلا لاهيا .

من هم الطفيليون الجدد ؟ إنهم طائفة من المتعالمين المتطفلين على موائد اهل العلم و الفتيا , رأوا أنفسهم علماء كبارا و غرهم جهلهم فأفتوا الناس بجهل فضلوا و أضلوا , فترى منهم من يأتى بعجيب الرأى مما يخالف إجماع العلماء العاملين أهل الفضل و الدين , و تطاولوا على العلماء فوصفوهم بالجهال و بأصحاب العقول المنغلقة و أنهم من عينة فقهاء الموءودة و المنخنقة و المتردية و النطيحة , و منهم من وضع نفسه فى مصاف الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى و قال لا يلزمنى رأيه ثم قال – و بئس ما قال - :" إن كان هو ابن حجر فأنا ابن زلط " .و من درر أقوال العلماء ما قاله حافظ الشام ابن عساكر رحمه الله تعالى : " لحوم العلماء مسمومة و عادة الله فى هتك أستار منتهكيهم معلومة " , و كذا قال أحدهم : " لحوم العلماء سمومة , م نشمها مرض و من أكلها مات " , فليبك هؤلاء على موت قلوبهم جزاء افترائهم على العلماء العاملين حملة لواء الدين و جنوده المخلصين .
و قد أخبر رسولنا الكريم صلوات ربى و سلامه عليه عن هؤلاء فقال :" إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا ".
يكمن داء هؤلاء الطفيليين منذ نشأتهم في "الهزيمة النفسية" التي لازمتهم عند احتكاك المسلمين في هذا العصر بالغرب المتفوق دنيوياً. فهذه الصدمة التي هزتهم أدت بهم إلى التنازل عن كثير من الحقائق الإسلامية التي ظنوها –لقصور عقولهم- تنافر تلك الحضارة الدنيوية. جاهلين أو متجاهلين أن الإسلام الصحيح لا يعارض أبدًا الحضارة الدنيوية النافعة، ومن ظن خلاف هذا فإنما أتي إما من جهله بالإسلام الصحيح الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، أو من ضعف عقله. وأيضاً من ظن هذا الظن السيئ بدين الله عز وجل فهو في الحقيقة -يطعن شاء أم أبى- في الإسلام وفي من ارتضاه ديناً خاتماً للأديان –سبحانه وتعالى-.
و من سمات منهج هؤلاء الطفيليين تقديس العقل لدرجة تقديمه على نصوص القرآن و السنة بزعم التناقض , و لو فطن هؤلاء و تنبهوا لعلموا أن العلة لا فى نصوص الكتاب و السنة بل فى عقولهم المريضة التى استحسنت القبيح فضلت , فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار لا بالماء .
و من سماتهم أيضا تأويل و تحريف معانى آيات القرآن الكريم لتوافق هواهم و هوى جماهيرهم من الحمقى و المغفلين , و فى هؤلاء يصدق قول الله تعالى : " أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه و كيلا " , و قد قال الله عز و جل مخاطبا رسوله المنزه عن اتباع الهوى – صلى الله عليه و سلم - : " و لا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " .
و من سمات منهجهم التنصل من أوامره صلى الله عليه و سلم بتقسيم سنته إلى تشريعية و غير تشريعية , فما أادوا التنصل منه نسبوه للسنة غير التشريعية , و ذلك راجع إلى اتباع الهوى .
و من سماتهم رد أحايث الآحاد فى العقيدة لينبذوا ما خالف عقولهم السقيمة , كذلك يردون الحدود الشرعية بدعوى أنها قديمة و لا تواكب روح العصر , فأسقطوا الجزية و حد الردة و عطلوا الكثير من الحدود الشرعية التى اعترض عليه أساتذتهم المستشرقين الطاعنين فى دين الله عز و جل, كذلك قالوا بعدم الجهاد وأنه للدفع فقط و ردوا جهاد الطلب , و لو آمن هؤلاء بعظمة الإسلام و إحكام أحكامه لأحنوارؤوسهم له و أذعنوا لأحكامه , و لكنهم قلوبهم عليها غشاوة أعمتهم عن إبصار الحق و يصدق فيهم قوله تعالى : " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون " .
و الناظر فى أحوال هؤلاء الطفيليين يجدهم أهل فسق و مجون , و الجالس معهم لا يجد فرقا بينهم و بين أهل الفن و المغنى فكلهم سائرون فى مضمار حب الشهرة و الأضواء , فتراهم يسمعون المعازف و يلتذون بها , و تراهم لا يقومون بالليل و لا يصومون بالنهار و لا يتصدقون , و ذلك أنهم رأوا أن كل هذا لايلزمهم فقد لبس عليهم الشيطان و غرهم جهلهم فظنوا أنهم فى أعلى الدرجات و أنهم سيزاحمون الأنبياء و الصالحين و الشهداء فى جنات الرضوان , فأدى بهم جهلهم إلى ترك الخير و التمادى فى الغي .
و أغلب هؤلاء الجهال يدعى التجديد فى الدين و يظن فى نفسه مجدد الزمان , و قد قال سماهم أحد النجباء متندرا (بالمجددينات) فلما سأله أحد إخوانه عن هذا و قال له إن هذا ليس بجمع مؤنث سالم و لا مذكر سالم , فرد عليه قائلا : " بل هو جمع مخنث سالم ! " . و قد صدق فما أحوج لغتنا العربية لهذا الجمع فى وقتنا هذا .
إن أمثال هؤلاء من أتباع الغرب و الطاعنين فى الدين هم سبب نكبة الأمة و ذلك بدعوتهم الناس إلى موالاة الكافرين و اتخاذعم إخوانا فى الإنسانية و عدم كرههم و ترديدهم عبارة (الدين لله و الوطن للجميع), و هم سبب النكبة برد الحدود و تعطيل الشريعة , فالأمة و إن كانت نكبتها بخسارة شبر من أرضها يقع فى أيدى العدو , إلا إن الخسارة الأعظم هى الطعن فى ثواب الدين و العقيدة . فالطعن فى الدين يؤدى إلى تذبذب فكرى حاد قاتل يكون المرء من خلاله تائها حائرا لا يفقه شيئا و لا يدرى أى شئ , و من هؤلاء ذلك الشاعر المأفون القائل :
جئت لا أعلم من أين و لكنى أتيت
و أبصرت قدامى طريقا فمشيت
فهؤلاء الحيارى هم سبب النكبة و الشقاق بين أفراد الأمة بحيدهم عن جادة الحق و الصواب , و لو كان يفقه هؤلاء لعلموا أن السلامة فى اتباع الكتاب و السنة , فقد وصانا رسولنا صلى الله عليه و سلم قائلا : " تركنت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا : كتاب الله و سنتى ".
و قد رأيت أن أحذر من هؤلاء لما رأيت الاغترار و الإعجايب بهم من أكثر أهل زماننا , فقد أسقط هؤلاء كثيرا من قيود الشريعة الرامية إلى حفظ المجتمع و صيانته فسهلوا على ذوى النفوس الضعيفة أمورهم فأعجبوا بهم , و قد رأيت من هؤلاء من قد خرج على شاشة العجل الفضي -أعنى التلفاز – و قد جلس بثقة و تحدث بكلام حلو معسول يخدع الحمقى و المغفلين , ثم رأيته يسقط الفروض فيقول إن الحجاب ليس بفرض و أن المرأة العارية على الشواطئ التى تكشف عن جسدها إلا القليل هى أشرف من المرأة المنتقبة , و رأيت من يضرب بالنصوص الصحيحة عرض الحائط فيحل ما حرم الله من الغناء و الموسيقى متبعا هواه , و رأينا من يتهكم على الفقهاء واصفا إياهم بأنهم فقهاء العصور الوسطى و فقهاء الطهارة و غير ذلك , و رأينا من مادى فى الباطل و ظن نفسه أعلم أهل الأرض فأفتى بعدم جواز دعوة الكفار إلى الإسلام و عدها من المعاصى !
فالحذر و الحيطة من هؤلاء الجهال الذين يلبسون على الناس أمر دينهم و يضلون الناس بجهل , و أختم بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم : " فإنه من سيعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتى و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى عضوا عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة و كل ضلالة فى النار " .

No comments: