الحمد الله و الصلاة و السلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما بعد ،
عرفت مصر إبان تبعيتها للدولة العثمانية الامتيازات الأجنبية، ثم أنشأت المحاكم القنصلية التي تتبع قنصليات الدول الأجنبية للنظر في المنازعات بين المصريين ورعايا تلك الدول الأجنبية، حيث يُقضى في تلك المنازعات بما تراه هذه المحاكم لا بمقتضى الشريعة الإسلامية. وفي عهد الخديوي إسماعيل حُولت المحاكم القنصلية إلى محاكم مختلطة تابعة للدولة المصرية يلتزم الجميع ـ أجانب ومصريون ـ بالوقوف أمامها، و لكن قوانينها كانت مأخوذة من القانون الفرنسي، وكان ذلك بمشورة نوبار باشا للتخلص من المحاكم القنصلية!! وبعد دخول الإنجليز مصر أنشأت المحاكم الأهلية بجوار المحاكم المختلطة ليتحاكم إليها المصريون أنفسهم في منازعاتهم الداخلية، وقوانينها أيضاً مأخوذة من القانون الفرنسي وذلك في نوفمبر 1883م. وكما ترى عزيزي القارئ أن هذه المحاكم الأهلية محاكم غير شرعية إذ لا تلتزم بالشريعة الإسلامية وسميت بالأهلية أي محاكم وطنية غير أجنبية، فكانت تعميماً لتحكيم القوانين الوضعية في مصر وقد أُلغيت المحاكم المختلطة بعد ذلك عام1949م، وألغي القضاء الشرعي المتعلق بأحكام الأحوال الشخصية وأدمجت في دوائر تابعة للمحاكم الأهلية القائمة علة على القانون الوضعي في عام1955م.
الآثار المترتبة على تطبيق القوانين الوضعية:
وهي التى تعاقب عليها وتعزر، ولأن العرف العام الذي رسخته الشريعة في النفوس يستنكره، ولا يسكت عليه ولا يرضى به. فلما أقصيت الشريعة وطبقت القوانين الوضعية، ظهرت أثار هذه التطبيق على أفراد المجتمع بالتدريج: فاستُحل الحكم بغير ما أنزل الله، واستُحل الربا، وتُركت إقامة حدود الشريعة، واختفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وتسببت القوانين الوضعية في إضعاف العمل بأحكام الشريعة الإسلامية ودراستها، إذ صار اهتمام الفرد في غير الأمور التعبدية هو التعرف على القوانين الوضعية التي يتحاكم إليها في محاكم الدولة، وارتبطت فئة من المتعلمين والمثقفين من أبناء المسلمين بالفكر الأوربي، عن طريق دراسة القوانين الأوربية، وإتقان لغاتها، والتعرف على روادها، و التتلمذ على أيديهم ومناهجهم، والتخصص فيها، والاقتباس منها، مع ما في ذلك من الانبهار والإعجاب والاقتداء بأعلام القانون والتشريع الأوروبي، والجهل أو التجاهل لأعلام الفقه الإسلامي وأئمته الأفذاذ كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما. فإذا تصدى هؤلاء الطلبة والأساتذة في ميدان القضاء للمناصب القيادة وإدارة شئون البلاد ساهموا في توجيه الأمة نحو التغريب والبعد عن الإسلام بحسب ما تربوا عليه.
وتنفق أموال المسلمين وأوقاتهم في إعداد القائمين بها، وهم بدورهم يدعمونها بالتقنين والتطبيق والتعريب،
لقد أغرى هذا الوضع الغرب وأذنابهم وظنوا أنهم قد قضوا على الإسلام والمسلمين إلى غير رجعة، فما هي إلا سنوات قلائل وتموت الأجيال التي ما زالت تذكر شيئاً عن الإسلام، ويخرج شباب الجامعات الجدد، شباباً منسلخاً من دينه متنكراً لتاريخه، يظن أن العز والرفعة إنما هي في اتباع نظم الغرب وطرقه في الحياة.
ولكن(يَأْبَى اللهُ إِلاَّ أن يُتِمَّ نُوْرَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ) (سورة التوبة : 32)
لقد منَّ الله على شباب الجامعات أنفسهم بهداية من عنده، وما أشبه قصتهم بقصة غلام أصحاب الأخدود الذي أراده خليفة للساحر، فأصبح أكثر من مجرد خليفة للراهب، بل صار صاحب دعوة كتب الله لها الانتشار أكثر مما كتب لدعوة شيخه. لقد خرجت الصحوة الإسلامية المباركة في اللحظة التي أوشك فيها الأعداء أن يعلنوا انتصارهم في الجولة الأخيرة فأعادوا حساباتهم، وانتزعت الأمة بفضل الله عز وجل مظاهر كثيرة من مظاهر العودة إلى الإسلام، انتشر الحجاب بل والنقاب وأصبح المظهر الإسلامي للرجال والنساء مظهراً مألوفاً، تراجعت موجة الإلحاد والعري في وسائل الإعلام، كل هذا على المستوى التطبيقي وأما على المستوى التشريعي فقد تم إعادة قدر كبير من الاعتبار للشريعة الإسلامية التي كانت المصدر الرابع من مصادر التشريع لتصبح المصدر الرئيسي للتشريع.
ولكن هل يأس أعداء الأمة؟
كتبه/ علاء بكر
No comments:
Post a Comment