نصائح إلى الإخوة في فلسطين والصومال
كتبه الشيخ/ ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
نصيحة إلى الإخوة في حماس
"الأحضان الإيرانية ليست دافئة"
فقد فرح المسلمون في كل مكان بفضل الله -سبحانه وتعالى- بتثبيته المجاهدين في غزة في وجه العدو اليهودي الكافر الغاصب المعتدي، وبما أكرمهم به من صدِّ هجومه، ومنعه من تحقيق أهدافه في إسقاط حركة المقاومة الإسلامية، وإحلال العملاء مكانها.
ورغم أن قوة إسرائيل الآن هي أضعاف ما كانت عليه منذ أربعين سنة، ورغم أنها واجهت بضعة آلاف من المقاتلين الذين ليس عندهم إلا التسليح الخفيف بلا طيران، ولا دفاع جوي، ولا دبابات، ولا مدرعات، وبعد حصارٍ طويل ظالم، إلا أن الله ثبَّتهم هذه المدة كلَّها، وقد كانت الجيوش العربية في سنـ67ـة قد انهارت في عدة ساعات وليس أيام، وقتل مئات الآلاف، واحتـُلت أراضي المسلمين، وسقطت القدس في أيدي اليهود مع الجولان وسيناء، وغزة بأسرها والضفة الغربية، مما يجني المسلمون ثماره المرة إلى الآن، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وله الحمد -عز وجل- على كل حال، وهو -سبحانه وتعالى- ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، لا يخلف وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وإنما كان ثبات المجاهدين بتوكلهم على الله وحده، وحبِّهم لنصرة دينه وإعلاء كلمته، حين خذلهم العالم كله، ومع ذلك كله أنزل الله عليهم نصره في هذه الموقعة التي ليست هي آخر المواقع، ولا نهاية المعركة، بل ما بعدها أشد منها.
فمِنْ شُكْرِ نعمة الله علينا جميعاً أن نزداد تمسكاً بكتابه وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن لا نداهن في دين الله أحداً، ولا نضحي بشيء من مبادئنا مجاملةً لأحد، أو ظناً منا أن السياسة تقتضي ذلك؛ فإن أعداءنا من الكافرين والمنافقين لن يقبلوا أبداً إلا بمتابعتهم (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ )(البقرة:120)، ولن تغيرَ مواقفَهم تهنئةٌ بأعيادهم الكفرية، أو مجاملةٌ بترك تطبيق الشريعة.
ولا بد لنا أن نقيم شرع الله في كل بقعة مكَّننا الله فيها، ولقد سبق كثير من المسلمين المجاهدين في بقاع كثيرة من الأرض إلى إقامة الشريعة مع أنهم كانوا دون الإخوة في حماس قوة وتنظيماً وعلماً، فلا يسبقنكم -إخوانَنا- إلى الله أحد.
ثم إنَّ من أعظم مظاهر إقامة الدين وأسباب النصر، التزام منهج أهل السنة والجماعة، والبُعد عن أهل البدع وطريقهم؛ خصوصاً من ظهر منه عبر التاريخ الحقدُ على أهل السنة والجماعة، والتحالفُ مع أعدائهم ضدهم، والاستهانةُ بدمائهم وحرماتهم، بل والفرحُ بإزهاقها، وإن أظهروا -أحياناً- خلاف ذلك تقيةً كما هو معلوم من مذهبهم، فليس من أهل بدعة ينتسبون إلى الإسلام شراً من الرافضة.
وموقفهم خلال الحرب على غزة لم يكن إلا بالحناجر العالية، والهتافات الصاخبة دون نصرة حقيقية، ولا تزال مخططاتهم للسيطرة على بلاد أهل السنة ونشر التشيُّع بين أبنائها، وتكوين الجماعات السرية والعلنية لتمزيق مجتمعاتهم مستمرة على قدم وساق في كل مكان.
وكم نبه العلماء -حتى من كان منهم مغروراً بزخرفهم مدة من الزمن- على خطرهم! فكيف لا نلقي بالاً لكل هذه التحذيرات؟!
وكيف نحاول اللعب على حبال مقطوعة، ومصالح موهومة، هي في حقيقتها مفاسد لا شك فيها؟
ووالله لن نجد عندهم نصراً إلا بثمن باهظ من ديننا، ومن وحدة صفنا، ومن سلامة معتقدنا، وحتى لو لم نجد من أهل الأرض ناصرا، فكفى بربك هادياً ونصيراً، و(إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(آل عمران:160).
ووالله لن نجد في أحضانهم التي سارع إليها البعض مقدِّماً شكرَ المجاملة على دور لم يعملوه، ونصرٍ لم يحققوه، إلا أشواكاً دامية تدمي قلوبنا وأفئدتنا.
فهل يرضى أحد بسب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأزواجه أمهات المؤمنين، والفرح بقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فاتح بيت المقدس، الذي في عنق المسلمين في الشام كلها، ومصر، والعراق، وغيرها منةٌ عظيمة له ولأصحابه المجاهدين من الصحابة والتابعين، بعد منة الله -تعالى- عليهم بالهداية لهذا الدين من خلال جهادهم وفتحهم لهذه البلاد؟!
أفيكون تقديرنا لهم مولاة من يطعن في دينهم، ويسبهم أعظم السب؟! وما تخفي صدورهم من الحقد أكبر مما تبديه ألسنتهم، وأجندتهم الخاصة بهم لا يتركونها ولا تخفى على أحد.
فاللهم أيِّدْ المسلمين بنصرك، واهدهم بهداك، وجنِّبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، وارزقنا التمسك بسنة نبيك -صلى الله عليه وسلم-، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده، وأن يجنبنا محدثاتِ الأمور وكلَ بدعة ضلالة... آمين.
نصيحة إلى إخواننا في الصومال
"لا تتعجلوا اتخاذ المواقف"
لقد منَّ الله على المسلمين واستجاب دعواتهم لإخوانهم في الصومال باندحار القوات الأثيوبية المحتلة ورجوعها تجر أذيال الخيبة، بفضل الله -سبحانه وتعالى- الذي ردَّهم بغيظهم لم ينالوا خيرا، ولم يحققوا ما أرادوه من وأد الحركة الإسلامية الوليدة والتي لقيت القبول لدى أبناء الصومال؛ لِمَا أظهرته من هويتها الإسلامية الخالصة، ولما نفذته من إقامة أحكام الشرع حيث أمكنها ذلك، فاللهم لك الحمد.
ولكن العدو وإن فشل عسكريا إلا أن المعركة لم تنته بعد، بل إن معركة السلم ربما كانت أخطر من معركة الحرب، وكم من حركات جهادية عبر تاريخ السِلم حين جاء وقت قطف الثمار قام بقطفها غير المؤمنين، ونجح الأعداء بالحيلة والمكر، والتفريق بين المؤمنين، ودس المنافقين في صفوفهم وتمليك أبناء أعدائنا منا زمام الأمور، ونجحوا في إعاقة المسيرة الإسلامية، ومنعوا إعلاء كلمة الله في الأرض التي سقيت بدماء الشهداء، بل صار المنافقون أعظم حربا على الإسلام والمسلمين من المحتلين، وما حال الجزائر منا ببعيد.
ورغم الغموض الشديد الذي يثير شكوك كل عاقل -فضلا عن مسلم مؤمن- في الصفقات التي تمت مع الأمريكيين والأثيوبيين التي أدت إلى إطلاق سراح "شيخ شريف" بعد أسره، ثم تلميعه إعلاميا بسرعة خارقة حتى يتم انتخابه رئيسا للصومال بمباركة أمريكية، وترحيب أثيوبي، وتهاني من كل الدائرين في الفلك الأمريكي، ورغم المخالفات الظاهرة للشرع التي وقع فيها "شيخ شريف" من القـَسَم على الدستور والقانون الوضعي، وقبوله بالتحالف مع حكومة عميلة كانت عونا للمحتل الغاصب، بل هي التي طلبت دخوله للبلاد واحتلالها وقتل أبنائها.
فإن باب التأويل بمحاولة الحصول على مصالح ودفع مفاسد يمنع من إطلاق أحكام العملاء عليه وعلى من وافقه وأيده.
وإعلانه العزم على تطبيق الشريعة، واحترامه للعلماء يقتضي التريث قبل اتخاذ موقف مصادم، أو رفض الحوار معه، أو الاستمرار في القتال كما كانوا يقاتلون العدو المحتل، فالوضع قد اختلف.
والشارع المسلم إنما يقبل القتال ضد عدو كافر معلن بكفره يحتل بلاد المسلمين، في حين أن عامته لا ترضى بالقتال ضد من ينتسب للإسلام؛ فضلا عمن ينتسب إلى الحركة الإسلامية والعمل الإسلامي، فلن يجد من تسرعوا في إعلانهم استمرار القتال من عون عامة المسلمين لهم ما كانوا يجدون منهم إبان الاحتلال الأثيوبي الصليبي.
لذا فإنا ننصح الإخوة في الصومال:
بالتريث في اتخاذ المواقف حتى تستبين الأمور، وننصحهم باتخاذ كل وسيلة نحو منع سفك دماء المسلمين والتقاتل بين فصائلهم، وإن غدا لناظره قريب.
وما يضير الفصائل الرافضة لرياسة "شريف" أن تنتظر حتى ترى حقيقة ما يدعو إليه من المصالحة على أساس إقامة الشريعة، وتحاوره في كيفية التطبيق، وإن رأت بعد ذلك أن الحقيقة على أرض الواقع تخالف الادعاء، وظهرت أدلة موالاة أعداء الإسلام وتنفيذ مخططاتهم فإن سلاحهم لا يزال بأيديهم، ولا يوجد حينئذ ما يرغمهم على موالاة الأعداء، ولا من يلومهم على مواقفهم.
ونسأل الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يصلح ذات بينهم، وأن ينصرهم على عدوه وعدوهم، وأن يهديهم سبل السلام، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور.
موقع صوت السلف