Saturday, March 31, 2007

الشيخ عبدالله بن زيد بن عبدالله بن محمد آل محمود


نسبه :
هو العالم العامل الشريف عبد الله بن زيد بن عبد الله بن محمد بن راشد بن حمد بن إبراهيم بن محمود بن منصور بن عبد القادر بن محمد بن علي بن حامد. وآل محمود ، وآل حامد – أهل سيح الأفلاج – هما قبيلة واحدة ويرتقي نسبهما إلى الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، كنيته : أبو محمد ومحمد أكبر أبنائه .


فهو من أشراف أهل نجد المنسوبين إلى ( اليمامة ) التي هي مسكن الأشراف القدماء الذين ذكرهم إبن عنبة في كتاب عمدة الطالب في نسب أبي طالب ، ومساكنهم هي (( الرياض )) عاصمة المملكة العربية السعودية ، و (( الدرعية )) ، وبلد (( الخرج )) ، وبلد (( المزاحمية )) و(( حوطة بني تميم )) وبلد (( الأفلاج )) وخاصة (( سيح آل حامد )) ثم (( مفيجر )) وهي قرية من بلد (( نعام )) المجاورة لحوطة بني تميم ويسكنها الأشراف آل حسين .


وكانت اليمامة ..عند المتقدمين أشهـر ذكـراً من نجد مع العلم أنها وسط نجد ، وهي عريقة في القدم ومعروفة بتخريج الشجعان الذين تسلح بهم جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل فيصل - رحمه الله - في بداية نشأة دولته ، حيث لم يكن معه في ذلك الزمان إلا الرجل والرجلان ، ويدل له حديث الهجرة ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم (( عُرضت علي مهاجري فرأيتها ذات نخل و زرعة فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي يثرب ، أي المدينة )) ويدل له حديث ثُمامه بن أثال سيد أهل اليمامة وذلك أنه لما أسلم طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمر ، ولما دخل مكة قالت له قريش : صبأت يا ثُمامة ؟ فقال : بل أسلمت ، ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكأنه بهذا المنع ضربهم بأقسا عصا ، لكونه قطع عنهم ميزة الحبوب التي هي عمدة غذائهم في ذلك الزمان ، وإنما سمي الخرج خرجاً لكونه يخرج على الحرمين الحبوب .

وبعض قبائل الأشراف من سكنة نجد واليمامة يُعرفون مما يلي : أولهم آل محمود ، وقد أحصى بعض الثقات عددهم فيما يزيد على ثلاثمائة رجلاً ما بين صغير و كبير منهم خمسون رجلاً يسكنون الأن قطر/الدوحة ) ثم آل حامد ، وهي قبيلة كثيرة وأميرهم محمد بن سعود الجايز ، ومنهم نسل الشيخ عبد العزيز بن بشر أحد علماء الرياض الأجلاء و المتوفى في عام 1359هـ حيث أنهم من آل حامد و آل شرف و آل خلف و آل درعان بن محمد . وآل محمود هم من آل حامد قبيلة واحدة النسب لكون محمود بن منصور بن عبد القادر بن محمد بن علي بن حامد ، وبين آل محمود وآل حامد قبيلة يُسمون آل منصور ، وهم أمراء السيح من قديم ، وقد إنقرضوا على إثر تقاطع وتقاتل وقع بينهم ، ومن الأشراف آل حسين المفيجر بجوار بلدة نعام بالقرب من حوطة بني تميم و آل شيبان و الرواتع أهل الخرج و منهم الشيخ صالح الرويتع -رحمه الله .

وبداية وجودهم في نجد كان في القرن العاشر هجري عندما توسع ملك شريف مكة حسن بن أبي نمي وحكم الأفلاج و وادي الدواسر ، وقد أمر عليها علي بن حامد بن عون الشريف الذي بقي في إمارته عليها إلى أن توفي في القرن العاشر الهجري ، و لما زار أحد أبنائه الأفلاج و هو (محمد) أعجب بخصوبة أرضها ووفرة مائها فانتقل إليها و سكن السيح الذي يسمى الآن بسيح آل حامد نسبة اليه . وقد قام أحفاده ببناء العديد من القصور و القلاع كقصر البطرة و الذي بناه فهاد بن دخيل الله آل حامد المشهور بالكرم و المتوفى سنة 1306هـ . وقد ناصروا - أشراف نجد- و أيدوا دعوة الامام محمد بن عبدالوهاب السلفية و اصبح منهم الكثير من الدعاة اليها و المناصرين لها و المدافعين عنها .

فهؤلاء كلهم هم أشراف نجد اليمامة ، ويوجد من بينهم أشراف كثيرون في نواحي نجد وخارجها ومن سائر البلدان أغفلنا ذكرهم مع كثرتهم لضيق المقام بذلك ومن أجل أننا لا نحصي عددهم ، فهؤلاء هم أشراف نجد من سكنة اليمامة لكون اليمامة تنطبق على ما حوى جبل طويق الذي يمتد من جهة الجنوب إلى وادي الدواسر ، ثم طرفه الثاني يمتد من جهة الشمال إلى الزلقي ، وعاصمته من قديم هي جو اليمامة ، وهو معروف إلى الآن فيه نخل وزرع وفيه ماء عذب يسيل في بعض الأحيان كما شهد به العارفون له ، ويوجد فيه الآن ثلاثة مساجد جوامع ، وقد نزح كثير من الأشراف عندما ضايقهم حاكمهم في ذلك الزمان يوسف الأخيضر ، فنزحوا إلى العراق ، وبقى بقيتهم في نجد على حالتهم ، وقد قال إبن ابي طباطبا وهو الشريف بالعراق : (( حدثني المولى السعيد العلامة النقيب تاج الدين أبو عبد الله محمد بن معيٌة أن إبراهيم بن شعيب اليوسفي معه ألف فارس يحفظون شرفهم ولا يُدخلون فيهم غيرهم )).

ويلتحق بهؤلاء من قرب منهم في النسب والمسكن مثل الشريف الأمير خالد بن سعد بن لؤي وأولاده وقبيلته أمير الخرمة ، وكذا آل صامل أمراء رنيه . ونعوذ بالله من الفخر بالأحساب والطعن في الأنساب .
ولادته :
وُلد الشيخ-رحمه الله- بحوطة بني تميم في شهر ذي القعدة من عام 1327هـ.، وهي بلدة تقع جنوباً من الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية ، بينها وبين العاصمة مائة وستون كيلو متراً ، ويتوسط بينها بلدان الخرج على حد منتصف المسافة ، فنشأ يتيماً لكون والده توفى وهو صغير ، فصار يلي أمره والدتُه نورة بنت عبد العزيز أبو سعود الشثري ، وهي امرأة صالحة صوامة قوامة كثيرة الصدقة وكثيرة الدعاء والتضرع إلى الله في سجودها وكل حالاتها . وحُفظ من دعائها (( اللهم أحفظ عبد الله بن زيد في دينه ودنياه وانشر فضله على خلقه كما نشرت شمسك على العباد ، وأمده بالمال والبنين ، واجعله يعطي بيمينه ما لا تعلم شماله )) ، هذه بعض من دعواتها ، وهو تمتع ببركة استجابتها ، عفا الله عنهم وغفر لهم . وأخواله من قبيلة الشثور ، ومنهم الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري أبو حبيب المشهور بالعلم والتقوى ، وقد توفى رحمه الله بالرياض وبقى أولاده ، ومنهم الشيخ ناصر بن عبد العزيز الشثري مستشار الملك ، و زيد بن علي الشثري-رحمه الله- .
طلبه للعلم :
لقد نشأ الشيخ يتيماً ، وكان عاشقاً للعلم من صغره ، كما وأن أخواله الشثور الذين عاش بينهم أهل علم وصلاح ، وعندهم كتب من أجدادهم ، وبعد أن استكمل سبع عشرة سنة حفظ القرآن بإتقان عن ظهر غيب ، وقدموه في صلاح التراويح والقيام منذ حفظ القرآن ، فاستمر عمله سنين ، وبدأت دراسته عند الشيخ عبد الملك بن إبراهيم آل الشيخ وهو فقيه تقي . ثم لازم خاله الشيخ عبد العزيز بن محمد الشثري أبا حبيب ملازمة تامة ، فكان يقرأ عليه في الليل وفي النهار ويسافر معه متى سافر إلى أحد البلدان ، ولم يزل منقطعاً إلى عام ألف وثلاثمائة وخمسين للهجرة ، ثم إلتحق بالشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الديار السعودية رحمه الله ، فأخذ يتعلم عليه مع جملة الطلاب . وفي سنة 1355 هـ. سافر إلى قطر ليأخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع ، وكان مشهوراً بسعة العلم والإطلاع والاجتهاد التام . فمكث عنده سنتين وسبعة أشهر يتلقى عنه سائر العلوم والفنون ، وكانت سفرة مباركة حظي فيها الشيخ بحفظ كثير من العلوم والفنون ، فحفظ (( بلوغ المرام في الأحكام )) وكذلك حفظ (( مختصر المقنع )) ، وحفظ (( المفردات )) ، وحفظ (( نظم مختصر ابن عبد القوي )) إلى باب الزكاة ، وعمل شرحاً عليه وافياً في مجلد ضخم يمكن جعله في مجلدين ، ثم وقف عن مواصلة تكميله للعوارض التي شغلته ، وحفظ (( ألفية الحديث للأسيوطي )) ، (( وألفية ابن مالك )) في النحو ، وكتاب (( قطر الندى )) في النحو ، ثم رجع من سفره في شوال عام 1357 هـ.، وإلتحق بفضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مرة أخرى للأخذ عنه .

ثم إنه صدر أمر من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمه الله بتعيين أشخاص من الراقين في العلم والصالحين للقضاء ، فيتوجهون إلى مكة ويلازمون الشيخ محمد بن مانع ، وكانوا قد عينوه رئيساً على المعارف ، ويدرس بالعصر وبالليل في الحرم الشريف . فوقع نظرهم على الشيخ عبد الله بن زيد ، وعلى الشيخ عبد العزيز بن رشيد رئيس هيئة التمييز سابقا بالرياض ، وعلى عبد اللطيف بن إبراهيم آل عبد اللطيف، وعلى الشيخ محمد البصيري رحمه الله ، وكلا الاثنين من أهل شقرة ، وعلى / عبد العزيز ابن مقرن وصالح بن طوسان ، وإبراهيم الزغيبي ، فكلف هؤلاء بالوعظ والإرشاد والتعليم في سائر المساجد . وكلف الشيخ عبد الله بن زيد بالوعظ والإرشاد في المسجد الحرام .


وفي آخر عام 1359 هـ.، قدم الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني حاكم قطر حاجًا ، ومعه ابنه الشيخ حمد بن عبد الله جد حاكم قطر حالياً ، ومعهما جمع كثير من أعيان آل ثاني ومن أهل البلاد ، فتقدم الشيخ عبد الله آل ثاني وابنه حمد رحمهما الله إلى الملك عبد العزيز يطلبان منه إرسال قاض معهما إلى بلدهما قطر ، لكونها في ذلك الزمان ليس بها أحد يصلح للقضاء ، وقد توفى الشيخ محمد بن جابر وكان هو الخلف بعد سفر الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع . وقال للملك إننا نعرف رجلاً يصلح لنا وهو الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود . وكان الذي أشار عليهما به هو الشيخ محمد بن عبد العزيز المانع ، فعند ذلك أمر الملك الشيخ عبد الله بن حسن آل الشيخ رئيس القضاة بمكة بأن يكلفه بالسفر مع الشيخ عبد الله بن قاسم آل ثاني ، ولم يجد بداً من طاعته فسافر صحبتهما ، وفي أول المحرَم من عام 1360 هـ. جلس للقضاء في قطر ، واستمر دائباً في العلم والتعليم ، وفي الحفظ والكتابة ، بحيث لا يشغله عنها أهل ولا مال إلى أن توفاه الله.


ومما امتاز به الشيخ هو الصبر والمثابرة على القضاء ، والتسجيل والتأليف ، فكان يسابق الشمس في الذهاب إلى القضاء ، ثم ذاك مكانه حتى يؤذن المؤذن لصلاة الظهر . ومن عادته أنه لا يجعل على الأبواب حراساً ، بل كلٌ يتصل به لحاجته من كبير وصغير وذكر وأنثى .
صفاته :
كان الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود يتمتع إلى جانب العلم الواسع بتواضع جم وحكمة ولباقة في تيسير المسائل الشرعية ، وبيان مشرق عذب في الخطابة والمحاضرة ، وصياغة جميلة وأسلوب رصين في الكتابة والتأليف في المواضيع الإسلامية التي عالجها وفي المشاكل التي يواجهها المسلمون اليوم .
ولخصاله الحميدة وأخلاقه الجميلة كان موضع حب الناس وتقديرهم على اختلاف الطبقات .


مؤلفاته :
ألف ـ رحمه الله ـ الكثير من الرسائل والكتب المهمة ، تناول بعضها اجتهاداته في الأمور الشرعية وقد جاوزت مؤلفاته الستين رسالة .
منها : تيسر الإسلام ، بدعة الاحتفال بالمولد ، أحكام عقود التأمين ، الجهاد المشروع في الإسلام ، الأحكام الشرعية ومنافاتها للقوانين الوضعية ، كتاب الصيام ، الحكم الجامعة لشتى العلوم النافعة.

وفاته :
بعد حياة حافلة في خدمة الإسلام والمسلمين أدى فيها الشيخ دورًا مهمـًا وفاعـلاً في الحياة العلمية والاجتماعية على نحو مشرف وغاية سامية نبيلة .
انتقل الشيخ إلى جوار ربه سبحانه وتعالى في حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم الخميس في أواخر العشر المباركة من الشهر الفضيل رمضان ، وذلك في اليوم الثامن والعشرين منه من عام 1417هـ الموافق للسادس من فبراير لعام 1997م عن عمر ناهز التسعين عامــًا .

وصلى عليه بالمسجد الكبير ، بعد صلاة عصر يوم الخميس ، وقد أم المصلين للصلاة عليه الشيخ يوسف القرضاوي ، وقد ازدحمت جنبات المقبرة وغصت بالناس وقد بكاه أهل قطر رجالاً ونساءً ، وقد رؤيت له رؤى حسنة قبل وفاته وبعدها .
فجزاه الله خيرًا .. وأدخله فسيح جناته .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.